فصل: تفسير الآية رقم (73):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (73):

الآية التاسعة عشرة:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)}.
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ}: الأمر بهذا الجهاد أمر لأمته من بعده وجهاد الكفار يكون بمقاتلهم حتى يسلموا، وجهاد المنافقين يكون بإقامة الحجة عليهم حتى يخرجوا عنه ويؤمنوا باللّه.
وقال الحسن: إن جهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم. واختاره قتادة.
قيل في توجيهه: إن المنافقين كانوا أكثر من يفعل موجبات الحدود.
وقال ابن العربي: إن هذه دعوى لا برهان عليها، وليس العاصي بمنافق، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق بما لا تتلبس به الجوارح ظاهرا، وأخبار المحدودين تشهد بسياقها أنهم لم يكونوا منافقين.
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} الغلظ: نقيض الرأفة، وهو شدة القلب، وخشونة الجانب.
قيل: وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصبر والصفح، وفي التحريم مثلها.

.تفسير الآية رقم (83):

الآية العشرون:
{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)}.
{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ}: الرجع: متعد كالرد، والرجوع: لازم، والفاء لتفريغ ما بعدها على ما قبلها وإنما قال: {إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ}: لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين، بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة، وفيهم من المؤمنين من لا عذر له، ثم عفا عنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وتاب اللّه عليهم كالثلاثة الذين خلفوا.
وقيل: إنما قال إلى طائفة لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف.
{فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ} معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه.
{فَقُلْ} لهم: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا}: أي قل لهم ذلك عقوبة لهم، ولما في استصحابهم من المفاسد.
{إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}: للتعليل أي لن تخرجوا معي، ولن تقاتلوا لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف أول مرة، وهي غزوة تبوك.
{فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)}: جمع خالف، والمراد بهم من تخلف عن الخروج.
وقيل: المعنى فاقعدوا مع الفاسدين، من قولهم: (فلان خالف أهل بيته) إذا كان فاسدا فيهم.

.تفسير الآية رقم (84):

الآية الحادية والعشرون:
{وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84)}.
{وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ}: صفة لأحد.
و{أَبَداً} ظرف لتأييد النفي.
قال الزجاج: معنى قوله: {وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ}: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له، فمنع هاهنا منه.
وقيل: معناه لا تقم بمهمات إصلاح قبره.
وجملة: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا} إلخ. تعليل للنهي عن صلاة الجنازة، والقيام على قبور هؤلاء المنافقين.

.تفسير الآيات (91- 93):

الآيات الثانية والثالثة والرابعة والعشرون:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93)}.
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ}: وهم أرباب الزمانة والهرم والعرج ونحو ذلك، ثم ذكر العذر العارض فقال:
{وَلا عَلَى الْمَرْضى}: والمراد بالمرض: كل ما يصدق عليه اسم المرض لغة أو شرعا.
وقيل: إنه يدخل في المرضى الأعمى والأعرج ونحوهما، ثم ذكر العذر الراجع إلى المال لا إلى البدن قائلا:
{وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ}: أي ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهيز للجهاد، فنفى سبحانه عنهم أن يكون عليهم {حَرَجٌ}: وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم، غير واجب عليهم مقيدا بقوله: {إِذا نَصَحُوا}: أصل النصح إخلاص العمل، ونصح له القول: أي أخلصه له.
والنصح {لِلَّهِ} الإيمان به، والعمل بشريعته، وترك ما يخالفها كائنا ما كان، ويدخل تحته دخولا أوليا نصح عباده، ومحبة المجاهدين في سبيله، وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد، وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه.
ونصيحة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التصديق بنبوّته وبما جاء به، وطاعته في كل ما يأمر به أو ينهى عنه، وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، ومحبته، وتعظيم سنته، وإحياءها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «الدين النصيحة» ثلاثا، قالوا: لمن؟ قال: «للّه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وجملة: {ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}: مقررة لمضمون سبق أي ليس على المعذورين الناصحين طريق عقاب ومؤاخذة.
{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} [البقرة: 286]، وقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61]، وإسقاط التكليف عن هؤلاء المعذورين لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم الذي عذرهم اللّه عنه مع رغبتهم إليه لو لا أن حبسهم العذر عنه.
ومنه حديث أنس عن أبي داود وأحمد- وأصله في الصحيحين- أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم من مسير، ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم: قالوا: يا رسول اللّه وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: حبسهم العذر».
وأخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر.
ثم ذكر اللّه سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ}: على ما يركبون عليه في الغزو.
{قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}: أي حال كونهم باكين.
{حَزَناً}: منصوب على المصدرية أو على الحالية.
{أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92)} لا عند أنفسهم ولا عندك.
{إِنَّمَا السَّبِيلُ}: أي طريق العقوبة والمؤاخذة.
{عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ}: في التخلف عن الغزو، والحال أن {وَهُمْ أَغْنِياءُ}: أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به.
{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ}: أي أن سبب الاستئذان مع الغنى أمران:
أحدهما: الرضا بالصفقة الخاسرة وهي أن يكونوا مع الخوالف.
والثاني: الطبع من اللّه على قلوبهم.
{فَهُمْ}: بسبب هذا الطبع.
{لا يَعْلَمُونَ (93)}: ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسر.

.تفسير الآية رقم (103):

الآية الخامسة والعشرون:
{خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}.
{خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً}: قد اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها؟
فقيل: هي صدقة الفرض.
وقيل: هي مخصوصة لهذه الطائفة المعترفين بذنوبهم لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فنزلت هذه الآية. و(من) للتبعيض على التفسيرين.
قال السيوطي: فأخذ ثلث أموالهم فتصدق بذلك للكفارة فإن كل من أتى ذنبا يسن له أن يتصدق، والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة، والصدقة مأخوذة من الصدق، إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه.
{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها}: الضمير في الفعلين للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وقيل: للصدقة: أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم، والأول أولى.
ومعنى التطهير: إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب، ومعنى التزكية: المبالغة في التطهير.
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}: أي ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم.
قال النحاس: وحكى أهل اللغة جميعا- فيما علمنا- أن الصلاة في كلام العرب: الدعاء.
{إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي ما تسكن إليه النفس، وتطمئن به.

.تفسير الآية رقم (113):

الآية السادسة والعشرون:
{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113)}.
{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى}: ذكر أهل التفسير أن (ما كان) في القرآن يأتي على وجهين:
الأول: على النفي نحو: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 145].
والآخر: على معنى النهي نحو: {وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53]، و{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية، فإن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها، وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار، وتحريم الاستغفار لهم والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافرا.
ولا ينافي هذا ما ثبت عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»، لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين.
وعلى فرض أنه كان قد بلغه- كما يفيده سبب النزول- فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة، فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدم من الأنبياء، كما في صحيح مسلم عن عبد اللّه قال: «كأني أنظر إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وفي البخاري: أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذكر نبيا قبله شجه قومه، فجعل يخبر عنه بأنه قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
{مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113)}: هذه الجملة تتضمن التعليل للنهي عن الاستغفار.
والمعنى أن هذا التبين موجب لقطع الموالاة لمن كان هكذا وعدم الاعتداد بالقرابة، لأنهم ماتوا على الشرك، وقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد اللّه ووعيده.

.تفسير الآية رقم (122):

الآية السابعة والعشرون:
{وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}.
{وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}: اختلف المفسرون في معناها؟ فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد، لأنه سبحانه لما بالغ في الأمر بالجهاد والانتداب إلى الغزو كان المسلمون إذا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سرية إلى الكفار، ينفرون جميعا ويتركون المدينة خالية، فأخبرهم سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك، أي ما صح لهم ولا استقام أن ينفروا جميعا.
{فَلَوْلا}: بمعنى هلا، فهي تحضيضية على معنى الطلب.
{نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ}: ويبقى من عدا هذه الطائفة النافرة، ويكون الضمير في قوله: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}: عائدا إلى الفرقة الباقية.
والمعنى أن طائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو، ومن بقي من الفرقة يقفون لطلب العلم ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو، أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين.
{وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}: عطف علة، ففيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم الاستقامة وتبليغ الشريعة، لا الترفع على العباد والتبسط في البلاد.
وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد، بل هي حكم مستقل بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم والتفقه في الدين، جعله اللّه سبحانه متصلا بما دل على إيجاب الخروج إلى الجهاد، فيكون السفر نوعين:
الأول: سفر الجهاد.
والثاني: السفر لطلب العلم.
ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر.
والفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية، وبما يتوصل به إلى العلم بها، من لغة ونحو وصرف وبيان وأصول. وقد جعل اللّه سبحانه الغرض من هذا هو التفقه في الدين، وإنذار من لم يتفقه، فجمع بين المقصدين الصالحين، والمطلبين الصحيحين، وهما: تعلّم العلم وتعليمه، فمن كان غرضه بطلب العلم غير هذين فهو طالب لغرض دنيوي لا لغرض ديني.